الراي
سألني الأخ فؤاد الكرشه في برنامج "يسعد صباحك" على قناة رؤيا قبل أكثر من عام عن الإتجار بالفضة حيث أنه اشترى كمية من الفضة كاستثمار في حينه. أجبته آنذاك أنني لا أتابع الفضة أو الذهب ولذلك لا أستطيع أن انصحه. لم أنس السؤال.وبعد مرور عام التقيت بطبيب في أحد المراكز الصحية الذي ذكّرني مازحاً بأن سعر الفضة أرتفع بنسبة 27% منذ لقائي مع فؤاد الكرشه. لذا، قررت أن اكتب هذا المقال بهدف التوضيح وليس التوصية بالشراء أو عدمه، ولا الدخول في عالم التنبؤات والتنجيم.
أين يقف الذهب اليوم؟سجّل الذهب في أكتوبر/تشرين الأول 2025 قفزة تاريخية متجاوزاً حاجز4,000 دولار للأونصة للمرة الأولى، مدفوعاً بارتفاع الطلب التحوّطي، ومشتريات البنوك المركزية، وتزايد الضبابية الجيوسياسية والاقتصادية. بعض التقاريرتشير إلى ذروات تصل الى 5,000 دولار مع حلول 2026.
تاريخياً، وصل سعر أونصة الذهب عام 1970 حوالي 50 دولارا، واستمر بالارتفاع ليصل عام1995 نحو 387 دولار، و513 دولار عام 2005، ثم 1060 دولار عام 2015 وليصل الى 1887.6 عام 2020، وليفوق الان 4,000 دولار. مما يعني أن الاتجاه طويل الأجل تصاعدي بوضوح.
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا ارتفع الذهب بقوة في 2023–2025؟ اشترت البنوك المركزية حول العالم وللعام الثالث توالياً كميات قياسية من الذهب (أكثر من 1,000 طن سنوياً في 2022 و2023و2024) مما دعم سعر الذهب. أيضا، ارتفاع وتيرة الضبابية الجيوسياسية والمالية (توترات كبرى، ديون حكومية مرتفعة، نقاشات حول السياسات النقدية) مما عزّز الطلب التحوّطي ودفعات صناديق الذهب المتداولة. وتبين دراسة قام بها البنك الفيدرالي الأمريكي أن الذهب يتأثر كثيراً بسعر الفائدة الحقيقي (مسحوباً منه التضخم/الغلاء)، ولكن هناك عامل آخر أكبر أثر من تأثير سعر الفائدة الحقيقي وهو أن الذهب وسيلة تحوط من المخاطر والضبابية.
ما الذي قد يهبط بسعر الذهب؟ هنالك عدة عوامل قد تؤدي الى تراجع أسعار الذهب، منها: هبوط التضخم، ارتفاع قوة الدولار الأمريكي، انحسار المخاطر الجيوسياسية/المالية، أو انعكاس تدفقات صناديق الذهب إلى خارجه.أيضاً، قد يقوم صندوق النقد الدولي والذي يملك 90.5 مليون أونصة من الذهب المسعّرة في دفاتره بسعر 50 دولار للأونصة (أسعار 1970)، وتساوي حالياً 362 مليار دولار، ببيع جزء من هذا المخزون (10% مثلا) لتعويض ما انخفض من دخله نتيجة تراجع مساهمات ومنح الدول المانحة، فيزيد العرض وبالتالي يهبط السعر.
هل من الممكن أن يستثمر الشخص في الذهب؟ نعم، لكن باعتدال وضمن محفظة متوازنة. فحسب مجلس الذهب العالمي إن الاحتفاظ بالذهب بنسبة 5%-8% من المحفظة الاستثمارية يُحسّن خصائص المخاطرة/العائد للمحفظة. كما يفضل التدرج في الدخول الى سوق الذهب من خلال تقسيم الشراء على دفعات بعد موجة الصعود الحادّة التي مر بها سعر الذهب. ويمكن شراء الذهب من خلال سبائك وعملات كحيازة مباشرة، أو من خلال صناديق متداولة مدعومة بالذهب، أو من خلال شراء أسهم في مناجم الذهب وهو الامر الأعلى خطورة.
أثبتالذهب قدرته على حفظ القيمة والتحوّط عبر السنين، لكن مساره مليء بدوراتٍ شديدة الحدة. الدخول المنضبط والمتدرّج، ضمن محفظة متنوعة، يحقّق الاستفادة من خصائصه من دون الإفراط في المخاطرة. وتذكر أن الذهب تأمين محفظة وليس بديل كلّي عن الأصول المنتجة للدخل، واستخدم خطة شراء متدرّج على أشهر، وراقب ثلاثة مؤشرات (العوائد الحقيقية، مؤشر سعر صرف الدولار، وتدفقات صناديق الذهب) لأن تغيّرها غالباً ما يسبق تحوّلات اتجاه سعر الذهب.
أما بالنسبة للفضة، فهي تُصنّف ضمن المعادن النفيسة، ولهذا تُستخدم مثل الذهب أحيانًا كأداة تحوّط ضد التضخّم أو الأزمات، ولكن هناك اختلافات مهمة. فالفضة غالبًا ما تُظهر تقلبات أكبر من الذهب، أي أنها أخطر لكنها قد تُوفّر مكاسب أعلى إذا نجح الرهان، وتستخدم العلاقة السعرية بين الذهب والفضة (نسبة الذهب إلى الفضة) كمؤشر على متى تكون الفضة “رخيصة نسبيًا” مقارنة بالذهب. كما أن أحد الفروق الجوهرية بين الذهب والفضة هو أن البنوك المركزية تُدخِل الذهب في احتياطياتها، لكنها نادرًا ما تستثمر في الفضة كاحتياطات نقدية رسمية. ومن جهة أخرى، تشارك الفضة في عديد من الصناعات،لذا فإن تأثر الفضة بالعوامل الاقتصادية كالتباطؤ الصناعي قد يكون أكبر من تأثر الذهب.
تاريخياً، بلغ سعر أونصة الفضة في نهاية التسعينيات بضع دولارات، وبعد الازمة المالية العالمية في 2008 راوح سعر الفضة 10 دولارات للأونصة، وقبل عشر سنوات تراوح السعر بين 14 دولارو20 دولار تقريبا، وقبل خمس سنوات كانت الفضة تغلق على سعر 17-18 دولار تقريبا. أما الآن فقد جاوز سعر الأونصة 36 دولار.
من الواضح أن الفضة، رغم أنها تحرّكت صعودًا خلال العقدين الماضيين، فإنها لم تشهد التصاعد المطرد والهيكلي الذي شهده الذهب بسبب ضغوط العرض والطلب الصناعي، وكونها أقل جذبًا كمخزن للقيمة مقارنة بالذهب. ويظهر التاريخ أن الفضة غالبًا ما تتحرك بنسبة أعلى (ما يقارب ضعف الارتفاع النسبي)عندما يصعدالذهب، لكن بنفس الوقت تكون معرضة لانعكاسات حادة عندما تنكسر الثقة أو يتقلّص الطلب الصناعي.
فإذا كان صعود الذهب مدفوعًا بعوامل التحوّط مثل ضعف الدولار، خفض الفائدة، التضخم المتصاعد، فقد تستفيد الفضة بقوة لأنها تجمع بين المكوّن التحوّطي والمكوّن الصناعي. ولكن، إذا كان الصعود في الذهب مدفوعًا أساسًا بزيادة الطلب الاحتياطي أو شراء البنوك المركزية، قد لا تستفيد الفضة بنفس الدرجة لأنها لا تحظى بنفس الزخم المؤسسي.
أما عند هبوط الذهب،ينخفض سعرالفضة غالبًا بنسبة أكبر، لأن موقفها الصناعي يجعلها أكثر حساسية للانكماش الاقتصادي أو ضعف الطلب. كما أن أي ضغوط على الفائدة، أو تشديدات نقدية، أو قوة للدولار تؤثر بشدة على الفضة لأنها أقل قدرة على مقاومة هذه العوامل. إذاً، في أوقات الانعكاس أو التراجع، قد تحمل الفضة خسائر أكبر مقارنة بالذهب.
ما هي فوائد ومخاطر الاستثمار في الفضة بالمقارنة مع الذهب؟ هناك إمكانية الاستفادة من مكاسب أكبر في أوقات الصعود. وانتفاع المحفظة الاستثمارية من تنويع فئة المعادن النفيسة. أيضا، غالباً ما تكون تكلفة الدخول إلى الفضة أقل (سعر الوحدة أقل) مما يُسهّل الاستثمار بمبالغ أصغر. وإذا انخفضت نسبة سعر الذهب الى الفضة، قد ترتفع المكاسب النسبية.
أما المخاطر، يتضمن الاستثمار في الفضة تقلبات أكبر، وإذا تقلص الطلب الصناعي خلال فترة الركود ستتأثر الفضة أكثر من الذهب، كما أن بعض العوامل التي تؤثر على الذهب قد لا تؤثر بنفس القوة أو تؤثر باتجاه معاكس على الفضة. كما أن الطلب على الذهب تقليدياً وخاصة من قبل البنوك المركزية أفضل منه على الفضة.
إذا أردت الاستثمار في الذهب والفضة معاً، استخدم استراتيجية موزعة ومُدرّجة زمنيا:لا تشتري المعادن بكل المال دفعة واحدة، بل قسّم الشراء إلى أجزاء، ضع جزءًا من المحفظة في الذهب، وجزءًا صغيرًا في الفضة. استثمر في الذهب كركيزة التحوّط الأساسية، والفضة كمكمّل. أيضا، راقب نسبة الذهب إلى الفضة، والعوائد الحقيقية للفائدة، وسياسات البنوك المركزية، وقوة الدولار، والأداء الصناعي العالمي لتكون مستعدًا للانكماشات الاقتصادية وتابع التطورات التكنولوجية والبيئية.