أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    27-Oct-2025

الاستثمار برأس المال البشري أولوية لبناء مرحلة تنموية جديدة

 الغد-عبدالرحمن الخوالدة

في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة التي يشهدها العالم، ومع تفاقم التحديات المحلية المرتبطة بالبطالة وتراجع مستويات الدخل والإنتاجية، يرى خبراء اقتصاديون أن الأردن يقف اليوم أمام منعطف تنموي حاسم يتطلب إعادة تعريف أولويات التنمية وتوجيه الجهود نحو الاستثمار الأجدى والأكثر استدامة وهو الاستثمار برأس المال البشري.
 
 
فقد باتت التجارب الدولية تؤكد أن الإنسان المتعلم، المبدع، والمتمكن من المهارات الحديثة، هو الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي، وأن الدول التي أحسنت استثمار طاقاتها البشرية استطاعت تحقيق قفزات نوعية في مؤشرات الرفاه والتنافسية خلال فترات قصيرة.
ويؤكد هؤلاء الخبراء في تصريحات صحفية لـ"الغد" أن الأردن يمتلك قاعدة بشرية مؤهلة تمثل نقطة انطلاق قوية، غير أن التحدي يكمن في تحويل المؤشرات التنموية إلى نتائج اقتصادية ملموسة، من خلال إصلاح منظومة التعليم والتدريب وربطها بسوق العمل، وتحسين بيئة الاستثمار والإنتاج، وتعزيز المشاركة الاقتصادية للشباب والنساء.
كما دعا الخبراء إلى بلورة سياسات وطنية واضحة المعالم تقوم على العدالة وتكافؤ الفرص، وتستند إلى شراكة متوازنة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لضمان توجيه رأس المال البشري نحو أولويات اقتصادية منتجة وقابلة للقياس.
وشددوا على أن رفع الإنتاجية وتحسين نوعية الوظائف لن يتحققا إلا عبر التعليم التطبيقي، وبرامج رفع المهارات وإعادة التأهيل، وتبني نهج الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار وريادة الأعمال، مؤكدين أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأكثر مردودا على المدى المتوسط والطويل، والقادر على تحويل التحديات إلى فرص تنموية حقيقية.
الأردن في مؤشر التنمية البشرية
وبلغ مؤشر التنمية البشرية للأردن 0.729 العام الماضي، ما يضعه في فئة "التنمية البشرية المرتفعة"، محتلا المرتبة 103 من أصل 193 دولة، طبقا لتقرير التنمية البشرية 2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي نشر في شهر أيار(مايو) من عام 2025. 
ووفقا لتقرير، فإن الأردن واصل تسجيل تحسن طفيف في مؤشرات التنمية البشرية، لكنه لم يستعد بعد مستوى المؤشر الذي بلغه قبل جائحة كورونا.
وفي ما يتعلق بمستوى الصحة لدى الأردنيين، أشار التقرير إلى ارتفاع متوسط العمر المتوقع إلى نحو 75 عاما، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة العربية، ما يعكس تحسنا في خدمات الرعاية الصحية والاستقرار الصحي العام، رغم الضغوط التي فرضتها الأزمات الإقليمية وتزايد أعداد اللاجئين.
وعلى صعيد التعليم، بلغت سنوات التعليم المتوقعة 13.3 سنة، بينما بلغ متوسط سنوات التعليم الفعلية 10.4 سنة، وهو معدل جيد نسبيا لكنه يعكس فجوة بين التعليم النظري وسوق العمل، خاصة في ظل ارتفاع بطالة الشباب الجامعيين.
وأظهر التقرير أن التنمية لا توزع بشكل متكافئ، حيث تتراجع قيمة المؤشر عند احتساب الفوارق بين الجنسين ومستويات الدخل، وتبلغ قيمة الدخل القومي الإجمالي للفرد(حسب تعادل القوة الشرائية) بنحو 10.000 دولار سنويا ما يظهر محدودية في القوة الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار وتآكل الدخل الحقيقي. 
كما أن مشاركة المرأة الاقتصادية تبقى من الأدنى في المنطقة، رغم ارتفاع مستويات التعليم بين الإناث.
التنمية البشرية رافعة اقتصادية حيوية 
وقال الخبير الاقتصادي محمد الصمادي: إن الأردن يقف اليوم أمام منعطف تنموي مهم يتطلب بناء مرحلة جديدة ترتكز على تعظيم العائد من رأس المال البشري، باعتباره محركا مهما للنمو الاقتصادي ورفع مستوى الرفاه المجتمعي. 
وأضاف الصمادي، أن المؤشرات الدولية تظهر امتلاك الأردن لأساس تنموي متين في الصحة والتعليم، إلا أن التحدي الحقيقي يتمثل في تحويل هذه المؤشرات إلى نتائج اقتصادية ملموسة تنعكس على التشغيل والإنتاجية ومستوى الدخل.
وبين الصمادي الذي يشغل أيضا عضوية مجلس إدارة غرفة التجارة الأوروبية في الأردن، أن التنمية البشرية ليست هدفا اجتماعيا فقط، بل هي أداة اقتصادية مباشرة لرفع التنافسية وجذب الاستثمار وتحقيق النمو المستدام، وأن الأردن يمتلك المقومات الرئيسة للانطلاق بثقة، شريطة توجيه رأس المال البشري الوجهة الصحيحة وتوحيد الجهود خلف أولويات وطنية واضحة قابلة للتنفيذ والقياس.
وأوضح أن تعزيز التنمية البشرية المستدامة يستوجب توجيه الجهود الوطنية نحو إصلاح التعليم والتدريب وربطهما بشكل مباشر مع احتياجات سوق العمل، إلى جانب بناء منظومة حديثة للمهارات المستقبلية في مجالات التكنولوجيا، والصناعة المتقدمة، والتحول الرقمي، بما يختصر فجوة المواءمة ويرفع كفاءة القوى العاملة.
وأشار إلى أن رفع الإنتاجية وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار يشكلان العمود الفقري في خلق فرص العمل النوعية، داعيا إلى سياسات تشريعية مرنة، ومحفزات موجهة للنمو، وشراكات أعمق بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، تقوم على وضوح الأدوار ومؤشرات أداء ملموسة بدلا من المبادرات الظرفية قصيرة الأثر.
كما شدد على أهمية تعزيز المشاركة الاقتصادية للمرأة والشباب وإدماجهم في سوق العمل باعتبارهم القوة الدافعة للنمو المستقبلي، مشيرا إلى ضرورة توسيع برامج رفع المهارات وإعادة التأهيل Upskilling & Reskilling لخفض البطالة والاستفادة من الطاقات الشابة التي يمتلكها الأردن.
وفي هذا السياق، دعا الصمادي إلى التحول نحو اقتصاد قائم على القيمة المضافة والمعرفة والابتكار، وتوسيع الاستثمار في ريادة الأعمال والقطاعات القادرة على تحقيق نمو متسارع مثل الصناعة، والتكنولوجيا، والسياحة، والخدمات المتخصصة، مؤكدا أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار القادر على مضاعفة الناتج وتحسين مستويات المعيشة على المدى المتوسط والطويل.
التحول الاقتصادي من خلال التنمية البشرية 
بدورها، قالت الخبيرة الاقتصادية ريم بغدادي إن تحقيق التنمية البشرية يتطلب ترجمتها إلى سياسات وممارسات تمس حياة المواطنين فعليا، لافتة إلى أن جزءا من هذه السياسات المحفزة للتنمية البشرية تحملها رؤية التحديث الاقتصادي. 
وبينت بغدادي، أن التحول الاقتصادي من خلال التنمية البشرية يمكن قيادته من مختلف الفاعلين في العملية الاقتصادية، إذ يترتب على كل منهما مسؤوليات في هذا المجال، فمن جانب على الحكومة تبني سياسات اجتماعية واقتصادية قائمة على العدالة وتكافؤ الفرص، وفي الجانب الآخر يتطلب من القطاع الخاص الاستثمار المسؤول وخلق فرص عمل لائقة تضمن الأمن الاقتصادي للأفراد. 
أما المجتمع المدني فدوره أساسي في الربط بين المواطنين وصانعي القرار، ورصد أثر السياسات على الفئات الأكثر هشاشة، لضمان أن تكون التنمية شاملة وعادلة. التكامل بين هذه الأطراف الثلاثة هو ما يحول التنمية البشرية من مؤشرات على الورق إلى رفاه حقيقي يلمسه الناس في التعليم، والصحة، والعمل، ونوعية الحياة. 
وترى بغدادي أن الفجوة بين الجنسين تشكل أحد أكبر التحديات أمام تحقيق تنمية بشرية متوازنة. فحين تستبعد النساء من المشاركة الكاملة في الاقتصاد وصنع القرار، يهدر نصف رأس المال البشري الذي تعتمد عليه التنمية. في المقابل، تقليص هذه الفجوة يعني مضاعفة الإنتاجية وتحسين مستويات التعليم والصحة والدخل للأسرة والمجتمع ككل.
ولفتت إلى أن التجارب أثبتت أن الدول التي نجحت في تمكين المرأة سجلت تقدما أسرع في مؤشرات التنمية البشرية. لذلك، سد الفجوة بين الجنسين ليس قضية عدالة اجتماعية فقط، بل هو استثمار مباشر في مستقبل. 
التعليم والتأهيل البشري لبنة أساسية للنماء الاقتصادي 
بدوره، بين أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري أن تعزيز التنمية البشرية يرتبط ارتباطا وثيقا بالنماء الاقتصادي، مشددا على ضرورة تركيز التعليم الجامعي على اكتساب المهارات العملية المطلوبة في سوق العمل.
ويرى الحموري أن المهم هو تهيئة الخريجين للمهارات التي يحتاجها السوق وليس مجرد المعرفة النظرية، ففي حال تم التمكن من تجهيز الطلبة الجامعيين قبل تخرجهم بالمهارات الاحترافية والمهنية المطلوبة، ستزداد فرص التوظيف بشكل كبير. 
وأوضح الحموري، أن الفجوة بين مهارات الخريجين ومتطلبات السوق هي سبب رئيس في البطالة، حيث إن الكثير من الوظائف التي يشغلها العمال الوافدون يمكن أن يقوم بها الأردنيين، إذ كانت لديهم المهارات المناسبة للمهن. 
واعتبر الحموري أن أفضل استثمار في رأس المال البشري هو التعليم والتدريب المرتبط مباشرة بمتطلبات سوق العمل، إذ لدينا فائض في خريجي العلوم والهندسة والطب، لكن في المقابل هناك نقص في العاملين ذوي المهارات العملية الدقيقة مثل الفنيين والحرفيين المتخصصين. 
وشدد الحموري على أن معالجة هذه الفجوة من خلال تطوير برامج تعليمية وتدربية تطبيقية سيمكن الأردن من تحويل خريجي الجامعات إلى قوة إنتاجية حقيقية ويقلص الاعتماد على العمالة الوافدة، ويحد من مشكلة البطالة بين الشباب، وهو ما يصب في المحصلة بتحسين الواقع المعيشي والاقتصادي للمواطنين.