خطة طموحة لتطوير حقل الريشة الغازي: استثمارات بمليارات الدولارات لتعزيز الأمن الطاقي الأردني*هاشم عقل
الراي
في خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن الطاقي ودعم الاقتصاد الوطني، أطلقت شركة البترول الوطنية الأردنية (NPC) خطة استثمارية طويلة الأمد لتطوير حقل الريشة الغازي في شرق الأردن، باستثمارات تُقدر بـ3.6 مليار دولار (2.53 مليار دينار أردني) تمتد حتى عام 2050. الخطة، التي تتضمن حفر 145 بئرًا جديدة بحلول عام 2030، تهدف إلى رفع إنتاج الغاز الطبيعي من 75 مليون قدم مكعبة يوميًا إلى ذروة 500 مليون قدم مكعبة يوميًا بحلول عام 2034، مما يساهم في تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الصناعات المحلية.
أعلنت شركة البترول الوطنية، في 9 أكتوبر 2025، عن توقيع عقد بقيمة 174 مليون دولار مع شركة الحفر الكويتيةلحفر 80 بئرًا على أساس “تسليم مفتاح” خلال أربع سنوات. يأتي هذا العقد بعد نجاح الشركة الكويتية في حفر 10 آبار سابقة بكفاءة عالية، مما يعزز الثقة في قدرة الخطة على تحقيق أهدافها. وتُعد هذه الاتفاقية جزءًا من استراتيجية أوسع لتسريع عمليات الحفر باستخدام تقنيات متقدمة، بدعم من دراسات جيوفيزيائية أجرتها شركات عالمية مثل WesternGeco Schlumberger.
أهداف طموحة ومراحل زمنية واضحة
تتضمن الخطة الاستثمارية مراحل زمنية محددة لتحقيق أهداف الإنتاج:
• 2025: زيادة الإنتاج إلى 78 مليون قدم مكعبة يوميًا مع إكمال 10 آبار إضافية.
• 2029: الوصول إلى 150 مليون قدم مكعبة يوميًا بحفر 70 بئرًا، بما في ذلك 26 بئرًا تطويرية.
• 2030: تحقيق 418 مليون قدم مكعبة يوميًا مع إكمال 145 بئرًا إجماليًا.
• 2034: الوصول إلى ذروة الإنتاج عند 500 مليون قدم مكعبة يوميًا، مع الحفاظ على هذا المستوى طويل الأمد.
وتشمل الخطة بناء بنية تحتية متكاملة، مثل خط أنابيب رئيسي بطول 320 كيلومترًا بطاقة تصل إلى 500 مليون قدم مكعبة يوميًا، ومحطة معالجة غاز جديدة بحلول 2027، بالإضافة إلى محطات ضغط لتحسين استخراج الغاز من الاحتياطيات العميقة.
جدوى اقتصادية واعدة
تُظهر الدراسات أن حقل الريشة يحتوي على احتياطيات مؤكدة تُقدر بـ11.99 تريليون قدم مكعبة، مع إمكانية استخراج 4.675 إلى 6.35 تريليون قدم مكعبة بناءً على معامل استخلاص يبلغ 39%. وتؤكد تقارير وزارة الطاقة والثروة المعدنية أن الاستثمار في الحقل يتمتع بجدوى اقتصادية عالية، حيث يُساهم في تقليل تكاليف الطاقة للصناعات بنسبة 30% مقارنة بالوقود الثقيل، و55% مقارنة بالغاز المسال، و60% مقارنة بالديزل. كما يدعم الخطة التمويل الحكومي بقيمة 87 مليون دينار في 2024، إلى جانب إيرادات بيع الغاز التي ستغطي التكاليف وتولد فائضًا ماليًا.
فوائد اقتصادية واجتماعية
تسعى الخطة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بحلول 2030، مما يقلل الاعتماد على الواردات التي تشكل حاليًا 91% من احتياجات الأردن الطاقية. كما ستخلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، خاصة في المناطق الشرقية، وتعزز القدرة التنافسية للصناعات الوطنية مثل البتروكيماويات والتعدين. وتتضمن الرؤية المستقبلية تصدير الفائض عبر خط الغاز العربي، وتطوير صناعات تحويلية مثل إنتاج الأمونيا والبوليمرات، مما يزيد القيمة المضافة للاقتصاد الأردني.
تحديات وتطلعات
على الرغم من الآفاق الواعدة، تواجه الخطة تحديات مثل ضرورة ضمان استمرارية التمويل وإدارة الشراكات الدولية بعناية، خاصة بعد تجربة غير ناجحة مع شركة “بي بي” بين 2010 و2014. كما يتطلب المشروع دراسات تسويقية لجذب المستثمرين وضمان استيعاب السوق للإنتاج المتزايد. ومع ذلك، فإن الدعم الحكومي القوي، والشراكات مع شركات عالمية، والدراسات الجيولوجية المتقدمة تعزز من فرص نجاح الخطة.
رؤية للمستقبل
تُعد خطة تطوير حقل الريشة جزءًا من رؤية التحديث الاقتصادي الأردنية، حيث تسعى إلى تحويل الأردن إلى مركز إقليمي لنقل الطاقة. ومع استكشاف مناطق جديدة مثل شرق الصوافي، وتطوير تقنيات لتحسين معامل الاستخلاص، يتوقع أن يبقى حقل الريشة ركيزة أساسية للأمن الطاقي والنمو الاقتصادي حتى عام 2050 وما بعد.
إن هذه الخطة الطموحة تمثل فرصة ذهبية للأردن لتحقيق الاستقلالية الطاقية وتعزيز مكانته في المنطقة، في ظل عالم يتجه نحو الطاقة المستدامة والاقتصادات التنافسية.