أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    12-Oct-2025

رافعة مالية للصناعة والتصدير والاستثمار: هل يحتاج الأردن لبنك وطني إنمائي؟*د. رعد محمود التل

 الراي 

شهد الاقتصاد الأردني خلال العقود الماضية تجارب مصرفية تنموية مميزة مثل بنك الإنماء الصناعي وبنك الصادرات والتمويل، اللذين أسهما في تمويل المشروعات الإنتاجية ودعم الصناعات الناشئة وتعزيز التجارة الخارجية. غير أن اندماجهما وتحولهما إلى بنوك تجارية واسلامية بحتة ترك فراغًا واضحًا في منظومة التمويل التنموي، خصوصًا في ظل حاجة الاقتصاد الأردني اليوم إلى أدوات مالية متخصصة تقود تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي.
 
لقد تأسس بنك الإنماء الصناعي لتمويل المشاريع الصناعية متوسطة وطويلة الأجل، في وقت كانت المصارف التجارية تتجنب المخاطرة في هذا النوع من التمويل. فكان بمثابة الذراع التمويلي للتنمية الصناعية، يربط بين السياسات الحكومية واحتياجات القطاع الخاص. أما بنك الصادرات والتمويل فكان يهدف إلى تمكين المصدرين الأردنيين من دخول الأسواق الخارجية، من خلال أدوات تمويل وضمانات تقلل من المخاطر التجارية وتزيد تنافسية الصادرات. ومع تحول البنكين إلى مؤسسات تجارية، فقدت منظومة التنمية في الأردن مؤسستين كانتا تمثلان الجسر بين التمويل والإنتاج.
 
اليوم، ومع تباطؤ الاستثمار الصناعي وضعف الصادرات نسبياً، تبرز الحاجة إلى إنشاء بنك إنمائي وطني، يكون مؤسسة مالية متخصصة لإدارة الاستثمارات وتمويل مشروعات التنمية، ورافعة لرؤوس الأموال المحلية والدولية. هذا البنك لا يقتصر دوره على منح القروض، بل يعمل "كـمدير مالي" لخطة التنمية الوطنية، ينسق بين الحكومة والقطاع الخاص والمستثمرين، ويوجه التمويل نحو المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية العالية والأثر الاجتماعي المستدام.
 
أهمية هذا البنك تكمن في أنه يعيد بناء منظومة التمويل التنموي على أسس مؤسسية، ويمنح الأردن أداة تنفيذية لترجمة الخطط الاقتصادية إلى مشاريع إنتاجية. كما يمكن أن يكون منصة توظف الموارد المحلية والخارجية، من خلال استقطاب رؤوس أموال عربية ودولية ضمن شراكات استثمارية منظمة. وفي الوقت ذاته، يشكل البنك قناة تفاوض رسمية مع الدائنين والمؤسسات الدولية (بالاضافة لوزارة التخطيط)، ما يعزز استقلال القرار المالي الوطني ويعيد ترتيب أولويات التمويل الخارجي نحو التنمية الحقيقية لا نحو سد العجز المالي.
 
لكن الدور الأهم لهذا البنك يجب أن يكون في تحفيز الإنتاج المحلي ودعم الصادرات. فتمويل المشروعات الصناعية الجديدة وتحديث خطوط الإنتاج وتقديم ضمانات للمصدرين تمثل أدوات مباشرة لزيادة القيمة المضافة المحلية. كما يمكن للبنك أن يموّل توسع الشركات الأردنية في أسواق إقليمية جديدة، ويدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة في سلاسل التوريد الوطنية، ما يسهم في رفع كفاءة الإنتاج وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
 
تجارب دول مثل كوريا الجنوبية والبرازيل وتركيا أظهرت أن البنوك الإنمائية لعبت دورا محوريا في بناء قاعدة صناعية متينة وزيادة الصادرات. وفي السياق الأردني، فإن وجود بنك وطني لإدارة الاستثمارات من شأنه أن يسد الفجوة التمويلية في القطاعات الإنتاجية، ويخلق بيئة مالية مشجعة للابتكار والتوسع الصناعي.
 
إعادة التفكير في نموذج البنك التنموي الأردني ليس ترفا مؤسسيا، بل ضرورة اقتصادية تفرضها متطلبات النمو والتحول الهيكلي في الاقتصاد الأردني. فغياب مؤسسة مالية وطنية تدير ملف التنمية جعل التمويل التنموي مشتتا بين وزارات وصناديق وجهات لا ترتبط برؤية موحدة، وأضعف التنسيق بين المانحين والمستفيدين، فوجود بنك وطني واحد بإدارة مهنية مستقلة، يعمل وفق مبادئ الحوكمة والشفافية، سيعيد الانسجام بين السياسات الاقتصادية وأدوات التنفيذ المالي. بنك إنمائي يمكن أن يكون الرافعة الحقيقية لرؤوس الأموال، والضامن لاستدامة المشاريع التنموية في الأردن. مؤسسة كهذه ستعيد تعريف العلاقة بين الدولة ورأس المال، وتمنح الاقتصاد الأردني أداة تنفيذية فعالة لتحويل الرؤى والخطط إلى نتائج ملموسة.
 
إن التنمية لا تتحقق بالنوايا والخطط وحدها، بل بالمؤسسات القادرة على إدارة المال والإنتاج معًا. والبنك الإنمائي الوطني يمكن أن يكون الأداة التي توحّد الجهود، وتحوّل رؤى التحديث الاقتصادي إلى مشاريع واقعية تخلق فرص عمل، وتعزز الصادرات، وتبني قاعدة إنتاجية مستدامة تدعم استقلال الاقتصاد الأردني على المدى الطويل.