الغد
تواجه المؤسسات الاستثمارية الكبرى — مثل الصناديق السيادية وصناديق الأموال العامة والتقاعد والنقابات والمشاريع والشركات الحكومية — مشهداً حوكميّاً معقداً نتيجة التقلبات الاقتصادية العالمية، وتزايد متطلبات الاستدامة (ESG) ومخاوف “الغسل الأخضر” (Greenwashing)، إضافة إلى التطور التكنولوجي المتسارع. ولهذا يرى 92 % من مالكي الأصول ضرورة اعتماد أطر حوكمة مرنة وقابلة للتكيف .
تتمثل التحديات الرئيسة في تحقيق عوائد مستدامة طويلة الأجل مع تجنب الانحراف نحو الأرباح السريعة قصيرة الأجل، والحفاظ على وضوح الغاية ومستوى المخاطر والأفق الزمني للاستثمار. ومع تنوع الأدوات الاستثمارية (أسهم، سندات، عقارات، سلع، ذهب ، الاستثمار المستدام ، الاصول الرقمية ، رؤوس أموال مغامرة ، صناديق تحوط ، استثمارات مباشرة)، أصبحت متطلبات الحوكمة أكثر تعقيداً، مما يصعب على مجالس الإدارة متابعة كل الأنشطة بفعالية.
ومن التحديات الهيكلية كذلك اختيار أعضاء مجالس الإدارة، حيث يفضل الابتعاد عن التعيينات السياسية أو الرمزية والتركيز على الاستقلالية والكفاءة والتنوع والاستمرارية، خصوصاً في مجالات الاستثمار البديل Alternative) Investment ) والتحول الرقمي.
أما في جانب الشفافية والمساءلة، فالتحدي هو تحقيق إفصاح جوهري لا شكلي، يعرض الاستراتيجيات ودمج الأطر البيئية والاجتماعية والحوكمية فيها ، بوجود مؤشرات الأداء (KPIs)، والتقارير الدورية، وهيكل للكلف والرسوم، مع الموازنة الدقيقة بين السرية المؤسسية والمساءلة العامة لتفادي التسييس أو كشف المراكز المالية الحساسة.
كذلك يبرز تحدي الثقافة التنظيمية، إذ أن الثقافة التي لا تدعم الشفافية والمساءلة قد تؤدي إلى ضعف الأداء وهيمنة عقلية القطيع. لذا، تحتاج المؤسسات إلى ترسيخ ثقافة نقاش بناء داخل المجلس، وتجنب غموض الصلاحيات بين المجلس واللجان والادارة التنفيذية لتجنب البطء والغموض وضعف القرار.
وتواجه الصناديق تحديات في تقييم الأصول غير المدرجة لغياب الأسعار السوقية الشفافة، مما يزيد من صعوبة تسييلها، ويستلزم منهجيات تقييم مستقلة وعادلة. كما أن مقاومة التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي تحد من الكفاءة، بينما تبنيها يعزز الميزة التنافسية.
اما المخاطر المحتملة فتشمل انزلاق المجالس إلى اعتماد استراتيجيات لا يفهم تفاصيلها التقنية، والاعتماد المفرط على مديري الاستثمار الخارجيين، مما يؤدي إلى ضياع خطوط المسؤولية. لذلك، تعتمد آليات رقابة فعالة لضمان جودة القرار الاستثماري وفق مستويات عقلانية من المخاطر.
وهناك مخاطر التضخم وتغير السياسة النقدية ، ما يتطلب تحديث أطر إدارة المخاطر وسرعة اتخاذ القرار. كما تؤثر المخاطر الجيوسياسية — مثل العقوبات الدولية، وتغير سلاسل التوريد، والاعتبارات الأمنية الوطنية — على قرارات الاستثمار، مما يفرض الحاجة إلى أطر جديدة لإدارة هذه المخاطر لم تكن جزءاً من الحوكمة التقليدية.
تتجه المؤسسات الرائدة مثل صندوق التقاعد الكندي (CPP) وصندوق النرويج السيادي وصندوق نيوزيلندا نحو تطبيق حوكمة تكيفية مرنة تستند إلى البيانات والمنصات الرقمية، مع مدونات سلوك ولجان أخلاقيات وسيناريوهات متعددة للتعامل مع الصدمات المناخية والسياسية وضغوط السيولة.
فالحوكمة الفعالة اليوم لم تعد مجرد امتثال تنظيمي Compliance) ) ، بل ميزة استراتيجية تمكن المؤسسات من مواجهة تعقيدات أسواق رأس المال العالمية والاستدامة بثقة وكفاءه محققة العوائد الاستثمارية الملائمة.