أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    06-Oct-2025

من الفكرة إلى الصفقة.. كيف يصنع تطوير المنتج والأعمال معادلة النجاح في السوق؟*د. جهاد يونس القديمات

 الغد

تمثل الفكرة نقطة انطلاقة في دورة الابتكار في المنظمة، حيث يتم جمع المعرفة العلمية والتكنولوجية، وتجريبها وتحويلها إلى منتجات وخدمات جديدة أو مطورة، وهو دور الرئيس لقسم البحث والتطوير R&D، التي تعمل على تصميم برمجيات أو أجهزة جديدة؛ كما هو الحال شركات التكنولوجيا، وعلى تطوير أدوية مبتكرة كما في الصناعات الدوائية.
 
 
أما الصفقة، فهي تعني استقبال المخرجات القادمة من قسم البحث والتطوير (الأفكار، المنتجات، الحلول)، ودراسة احتياجات العملاء والسوق، وتحديد أفضل طرق توظيف هذه الابتكارات لتحقيق قيمة تجارية، بحيث يتم التفاوض مع شركاء، لدخول أسواق جديدة، وتطوير إستراتيجيات التسويق والبيع، وهو الدور الأساسي لقسم تطوير الأعمال في المنظمات BD.
تظهر العلاقة التكاملية التعاونية بين جهود قسمي البحث والتطوير من جهة وتطوير الأعمال من جهة مقابلة، بمعنى آخر إنها ليست علاقة أحادية منفصلة الروابط، فالأول يوفر منتجات جديدة جاهزة للتسويق، والثاني يغذي البحث بمتطلبات السوق الفعلية واتجاهاته المستقبلية، هذا التكامل يجعل الابتكار مرتبطا بالواقع العملي، وليس مجرد فكرة على الورق، فالعمل بينهما بتناغم يحقق للمنظمة فتح أسواق جديدة، أي منتجات مبتكرة تلبي احتياجات لم تكن مشبعة سابقا، ثم تقدم للمنظمة ميزة تنافسية مستدامة، وتعزز السمعة المنظمية، بحيث ينظر العملاء والمستثمرون إلى المنظمة على أنها رائدة في مجالها، مما يجذب المزيد من الثقة والاستثمار.
فعلى سبيل المثال، يقوم قسم البحث والتطوير في شركة Apple بابتكار أجهزة وتقنيات جديدة، بينما يقوم قسم تطوير الأعمال بتحديد كيفية دخول الأسواق العالمية، وإطلاق حملات تسويق تخلق طلبا واسعا، أما شركة Pfizer فتطور أدوية وعلاجات جديدة، ثم تتفاوض مع الحكومات والمنظمات الطبية لفتح الأسواق وتوسيع نطاق التوزيع. بذلك يمكن القول أن قسم البحث والتطوير يمثل عقل المنظمة، في حين أن قسم تطوير الأعمال يمثل الذراع التجاري لها.
ينحصر الهدف العام لقسم البحث والتطوير في الابتكار وإنتاج المعرفة الجديدة، من خلال البحث العلمي والتقني، وتطوير منتجات أو خدمات جديدة، وتحسين المنتجات أو العمليات الحالية، واستكشاف تقنيات حديثة قبل المنافسين، أي التركيز على "كيف نصنع منتجا أو خدمة جديدة أكثر كفاءة أو جودة؟"، وستكون المخرجات بطبيعة الحال أفكارا، ونماذج أولية Prototypes، وبراءات اختراع، وتقنيات مبتكرة.
أما الهدف العام لقسم تطوير الأعمال فيكمن في إيجاد قيمة اقتصادية وتجارية من الابتكارات، من خلال دراسة السوق وتحليل احتياجات العملاء، والبحث عن فرص شراكات وتحالفات إستراتيجية، ووضع إستراتيجيات تسويقية وتوسيع الحصة السوقية، والتفاوض مع عملاء وشركاء لتوسيع نطاق الأعمال، أي التركيز "كيف نحول المنتج أو الخدمة إلى قيمة تجارية وسوقية؟"، وستكون المخرجات عقودا، وشراكات، وخططا تسويقية، ودخول أسواق جديدة، ومن ثم زيادة الإيرادات.
لمزيد من التوضيح؛ يمكن استعراض تجربة إحدى الشركات الناشئة التي تعمل في مجال الطاقة النظيفة، للتعرف على أهمية التكامل بين القسمين، الذي يؤدي إلى جعل الشركة تنجح في تحويل الفكرة (الابتكار) إلى صفقة (قيمة اقتصادية وسوقية حقيقية).
أسس مجموعة من المهندسين شركة Green Energy ، في المرحلة الأولى بدأوا بالبحث عن طريقة لتصميم ألواحا شمسية صغيرة الحجم يمكن تركيبها بسهولة على شرفات المنازل والشقق، وبعد عدة تجارب، طور فريق R&D نظاما مبتكرا للألواح الشمسية، يولد كهرباء بكفاءة أعلى بنسبة 20 % مقارنة بالمنتجات التقليدية، وفي المرحلة الثانية، قام فريق تطوير الأعمال بدراسة السوق المحلي، واكتشف أن هناك طلبا متزايدا على حلول الطاقة البديلة، وأن تكلفة الكهرباء مرتفعة، وأن المواطنين يبحثون عن بدائل أوفر، فبدأوا في إعداد خطة تسويقية، وعقد شراكات مع شركات عقارية لتثبيت الألواح في مشاريع سكنية جديدة، كما تفاوضوا مع البنوك لتقديم قروضا ميسرة للأفراد الراغبين في تركيب هذه الألواح، وبفضل R&D  المنتج كان مبتكرا وذو كفاءة عالية، وبفضل BD تم الوصول إلى العملاء المناسبين، وفتح قنوات بيع جديدة.
النتيجة هي فتح سوق جديدة لحلول الطاقة الشمسية السكنية، وتحقيق ميزة تنافسية أمام الشركات الأخرى، كون المنتج عملي وبكلفة أقل، ويعزز السمعة المنظمية، أصبحت الشركة معروفة كحل وطني مبتكر للطاقة المستدامة. يمكن التأكيد هنا أن نجاح المنظمات لا يعتمد فقط على الابتكار التقني الذي يوفره قسم البحث والتطوير، بل على قدرة تطوير الأعمال في تحويل الابتكار إلى منتج ذي قيمة اقتصادية وسوقية، فمن خلال التكامل بين القسمين، تتمكن الشركة من الجمع بين الإبداع التقني والجدوى التجارية، مما يؤدي إلى تحقيق نمو مستدام وميزة تنافسية واضحة.
تشير دراسة حديثة شملت 252 شركة بين 2020-2024 في دول G7، أن مؤشرات الابتكار لها تأثيرا إيجابيا قويا على إنتاجية العمل وتحسين دوران الأصول، وفي دراسة تحليلية أخرى لأكثر من 2000 شركة تكنولوجيا لنفس الفترة، بينت أنه عندما تكون استثمارات R&D عالية جدا (بنسبة إلى المبيعات مثلا) تظهر آثارا إيجابية واضحة على نمو الشركات، خصوصا تلك التي تعاني من تراجع أدائي، اما في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث والتطوير، فيوضح تقرير صادر عن McKinsey أن توظيف الذكاء الاصطناعي في عمليات البحث والتطوير يمكن أن يزيد من الإنتاجية، ويخفض التكلفة الزمنية لتطوير المنتجات الجديدة، مما يسمح للمنظمات بالاستجابة أسرع لتغيرات السوق.
من خلال استقراء نتائج الدراسات السابقة، يمكن استخلاص مجموعة من التوصيات التي قد تفيد المنظمات في تحسين العلاقة بين البحث والتطوير وتطوير الأعمال، منها على سبيل المثال:
-  يجب أن تكون الاستثمارات في البحث والتطوير مستمرة (نسبة من المبيعات أو من الأصول) لتوليد تأثير ملحوظ، كذلك التركيز على الابتكار القابل لتطبيق التجاري مبكرا.
- لا بد من وجود مؤشرات أداء KPIs تقيّم مدى مساهمة الابتكار في تحقيق أهداف الأعمال (زيادة الإيرادات، حصة السوق، رضا العملاء، كفاءة التشغيل، إلخ).
- أن يكون هناك توازن بين المشاريع التي توفر مردودا سريعا لتمويل العمليات (Short term)، والمشروعات الابتكارية التي تحتاج إلى وقت أطول للنضج (Long term).