الحكومة تدير الدين العام.. بذكاء*علاء القرالة
الراي
يستغرب البعض من ارتفاع الدين العام، ويعتبرونه مؤشراً للفشل الاقتصادي، بينما الحقيقة مختلفة تمامًا، فالدين العام في الأردن ليس عبئا عشوائيا، بل «أداة مالية استراتيجية» لإدارة الاقتصاد وتحفيز النمو، خصوصا في ظل الظروف غير الاعتيادية التي يمر بها العالم والإقليم، والسؤال المهم: ماذا لو لم نستدن؟ وكيف تتعامل الحكومة الحالية مع هذا الملف؟.
الحكومة برئاسة الدكتور جعفر حسان، اعتمدت سياسة استدانة مدروسة، تهدف إلى معالجة الديون القديمة عالية الفوائد وتسوية الالتزامات المالية المتأخرة، وهذا ما نجده ببيانات وزارة المالية، التي تشير الى زيادة الدين العام ليبلغ نحو 2.7 مليار دينار خلال الاشهر الثمانية الأولى من هذا العام، إلا أن ما يقارب 68% منها فوائد على الدين المتراكم وتسويات مالية، بينما استخدم جزء محدود من الاقتراض لتغطية العجز وتمويل النفقات الرأسمالية الضرورية.
هذه الخطوة المالية الذكية تؤكد مدى الانضباط المالي للحكومة، ويكمن نجاحها بتخفيض كلفة خدمة سندات » اليوروبوندز» بنسبة 40%، موفرة نحو 40 مليون دولار سنويا على الخزينة، ومن خلال استبدال تمويلات ميسرة وصكوك إسلامية منخفضة الفائدة بجزء من الديون الدولية، وهذا الأسلوب، المعروف بـ«إطفاء الدين بفائدة أقل»، يعكس قدرة الحكومة على التحكم في كلفة الدين وتحقيق استدامته على المدى الطويل.
الحكومة لم تكتف بذلك، بل وضعت خطة واضحة لخفض نسبة الدين إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028،ضمن برنامج التصحيح المالي الذي يحمي الإنفاق الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، وهذا باشادة من صندوق النقد الدولي بالمسار التدريجي الذي تتبعه الحكومة بإدارة الدين، ضمن «سياسة» تحافظ على استقرار الاقتصاد وقدرة الأردن على الوفاء بالتزاماته دون المساس بالنمو.
إلى جانب إدارة الدين، لم تغفل الحكومة الجانب الاقتصادي التنموي، فتبنت أكثر من 162 إجراء تحفيزيا لدعم النمو الاقتصادي، بما يشمل تعافي قطاع السياحة بنسبة 7.5%، وزيادة الصادرات الوطنية بنسبة 8%، ونمو الاستثمار الأجنبي بنسبة 36.6% خلال النصف الأول من العام، وارتفاع الاحتياطيات الأجنبية.
من ناحية أخرى، تسعى الحكومة إلى حماية الاقتصاد من الأزمات المستقبلية من خلال استخدام قروض ميسرة لتغطية الالتزامات القادمة، وخفض كلفة خدمة الدين، وتعزيز استدامة الموازنة العامة، بما في ذلك العجز المالي المقدر لهذا العام = والبالغ نحو 2.3 مليار دينار.
خلاصة القول، ارتفاع الدين العام الأردني ليس فشلا اقتصاديا، بل انعكاس لإدارة حكومية حذرة وفعالة، تعتمد الاستدانة كأداة مالية استراتيجية لدعم النشاط الاقتصادي، وتحقيق النمو المستدام، وضمان الاستقرار المالي في أصعب الظروف التي تتعرض لها المملكة، بشهادة ان الأردن يقدم نموذجا يحتذى به بإدارة المديونية، وقادر على مواجهة الأزمات مع تعزيز الثقة المحلية والدولية في قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية.