أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    28-Oct-2025

ملف حليب البودرة يراوح بين وزارتين.. متى يحسم الجدل؟

 الغد-عبدالله الربيحات

 أثار التوجه لنقل ملف حليب البودرة من وزارة الزراعة إلى وزارة الصناعة والتجارة، جدلا حوله، ففي حين أبدى قطاع مربي الأبقار خشيته من أن يشرعن هذا القرار في حال اتخاذه استخدام حليب البودرة بصناعة الألبان والأجبان الطازجة بدلًا من الحليب المحلي الطازج، رأى خبراء في الزراعة ضرورة الموازنة بين حماية الإنتاج المحلي وضمان استقرار السوق، وتحقيق الأمن الغذائي في المملكة.
 
 
وبينوا لـ"الغد"، أن التجربة أثبتت بأن بقاء الإشراف الفني بيد "الزراعة"، يضمن الرقابة والشفافية، ويحافظ على التوازن بين الاستيراد والإنتاج الوطني، مبينين أن الوزارة تدير ملف حليب البودرة منذ العام 2010، بعد سلسلة تجاوزات كبيرة حدثت سابقا، مؤكدين أن الملف تديره حاليًا لجنة فنية متخصصة، تضم الجهات ذات العلاقة، وقد حققت إنجازات ملموسة بالحد من الغش التجاري وضمان الشفافية.
التوازن المطلوب
وفي السياق، أكد الخبير الدولي بالأمن الغذائي د. فاضل الزعبي، أن إعادة ملف حليب البودرة، طرحت تساؤلات جوهرية حول التوازن المطلوب بين حماية الإنتاج المحلي وضمان استقرار السوق والأمن الغذائي، مضيفا أن القضية ليست فنية أو نقابية حسب، بل هي قضية سيادة غذائية ومسؤولية وطنية، تمس المزارعين والمستهلكين والمصنّعين معا.
وزاد الزعبي، بأن نقل الإشراف على قطاع الألبان من "الزراعة" إلى "الصناعة والتجارة"، لا يُعد مجرد إجراء إداري، بل خطوة تحمل آثارًا إستراتيجية على قطاع يوفر آلاف فرص العمل، ويُعد ركيزة للأمن الغذائي، إذ أثبتت التجربة بأن بقاء الإشراف الفني بيد "الزراعة"، يضمن الرقابة والشفافية ويحافظ على التوازن بين الاستيراد والإنتاج الوطني.
وأشار إلى أن التجارب العالمية، تقدم دروسًا واضحة، منها الاعتماد المفرط على بودرة الحليب الرخيصة والمدعومة، كما حدث في دول كالهند والبرازيل وجامايكا، إذ أدى ذلك لتراجع إنتاج الحليب الطازج وإغلاق آلاف المزارع الصغيرة، ما استدعى لاحقًا تدخلات حكومية لحماية المنتجين المحليين.
وقال إن المطلوب تحقيق توازن ذكي، يتيح استخدام البودرة عند الحاجة دون الإضرار بالإنتاج المحلي، وذلك عبر سياسات حمائية مرنة، مثل تحديد حصص استيراد أو فرض رسوم توازن تراعي المزارعين والمنتجين.
وبين الزعبي، أنه ولتعزيز تنافسية القطاع، ينبغي دعم الأعلاف وتطوير سلاسل التبريد والنقل وتشجيع التعاونيات الزراعية، وتنويع منتجات الأجبان التقليدية والألبان العضوية ذات القيمة المضافة، كما أن التعاون الإقليمي بتبادل الخبرات، من شأنه تقوية هذا القطاع في مواجهة تحديات الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وأكد أن تقارير منظمتي: الأغذية والزراعة (الفاو) والتعاون الاقتصادي والتنمية، تؤكد أن الإفراط في الاعتماد على الألبان المصنوعة من الحليب المجفف، يضعف استدامة الإنتاج المحلي ويزيد هشاشة الأمن الغذائي، بخاصة في الدول النامية، مبينا أن حماية قطاع الألبان الوطني ليست خيارًا اقتصاديًا فقط، بل واجب وطني لضمان الأمن الغذائي، واستقرار الريف ومستقبل آلاف الأسر الأردنية.
الحفاظ على قطاع مربي الأبقار
رئيس جمعية ائتلاف مربي الأبقار ليث الحاج، قال إن قطاع مربي الأبقار الحلوب، من أهم ركائز الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في الأردن، إذ ينتج يوميًا أكثر من 1200 طن حليب طازج، تُورد لأكثر من 200 مصنع ومعمل، ويُحقق القطاع نموًا سنويًا في الإنتاج أكثر من 10 %، ما يعكس التطور المستمر في كفاءة التربية والإنتاج.
كما يُعد هذا القطاع، مصدر رزق لآلاف الأسر في البادية والريف، إذ يمتلك الأردن أكثر من 90,000 رأس بقرة حلوب من سلالات عالمية عالية الإنتاجية، وقد أدخلت أحدث تقنيات التربية والتغذية لتحقيق أعلى مستويات الجودة والإنتاج، ما مكّن المملكة من تحقيق اكتفاء ذاتي، نفتخر به على مستوى المنطقة، برغم ما واجهنا من تحديات كبيرة"، بحسبه.
وأضاف "يُعد ملف حليب البودرة من أبرز التحديات التي تؤثر على استقرار وتطور القطاعين الزراعي والصناعي معًا، ففي الفترات السابقة، ونتيجة غياب السيطرة على هذا الملف، تكبّد المزارعون ومصانع الألبان خسائر جسيمة".
وزاد الحاج "شكلت وزارة الزراعة لجنة ترخيص حليب البودرة، والتي نُعدّ أعضاءً فيها، وتضم في عضويتها جميع الجهات المعنية بهذا الملف، وهي وزارة الصناعة والتجارة، ودائرة الجمارك العامة، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، والجمعية ممثلاً عن المزارعين".
وأضاف "أثبتت هذه اللجنة نجاحها عبر ضبط عمليات الاستيراد، ومنح الرخص وفق أسس علمية واضحة، تحمي جميع الأطراف، ما أدى لاستقرار السوق وازدهار القطاع، وتحقيق أرباح للمصانع، والقضاء على الغش التجاري في منتجات الحليب".
وقال "فوجئنا بعقد وزارة الصناعة والتجارة اجتماعًا برئاسة وزيرها، وبحضور وزير الاستثمار، ومديري: الجمارك، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء، ومؤسسة المواصفات والمقاييس، والتسويق الزراعي بوزارة الزراعة، دون دعوتنا. وفي الاجتماع، أعلن وزير الصناعة والتجارة عن التوجه لنقل ملف حليب البودرة من وزارة الزراعة إلى وزارة الصناعة والتجارة، برغم أن هذا الملف كان في عام 2010 لدى وزارة الصناعة، وأعيد لاحقًا لوزارة الزراعة بعد اكتشاف تجاوزات بمنح الرخص، واستخدام الحليب الممزوج بالزيوت المهدرجة، ما تسبب في حينه، بخسائر فادحة للقطاع وإغلاق أكثر من 100 مزرعة أبقار".
وأكد الحاج، أن نقل ملف حليب البودرة من "الزراعة" لـ"الصناعة والتجارة"، و"شرعنته" سيؤدي لنتائج كارثية، أبرزها: خسارة قطاع مربي الأبقار الحلوب، والذي يشكّل ركيزة الأمن الغذائي الوطني، وإغلاق مشاريع استثمارية في هذا المجال، والقضاء على صغار المزارعين، وعودة الفائض في إنتاج الحليب الطازج، وتكبد المزارعين والمصانع خسائر فادحة، ما سينتج عنه فقدان آلاف فرص العمل وزيادة معدلات البطالة.
ولفت إلى حجم التأثير السلبي المتسلسل على مهن وقطاعات مرتبطة بالقطاع كالمهندسين الزراعيين، والأطباء البيطريين، ومزارعي الأعلاف في الشمال والجنوب، وشركات الأدوية والصيدليات البيطرية المحلية. كما أن نقل الملف خارج "الزراعة"، خطر على منظومة الأمن الغذائي الوطني، مطالبا ببقائه لدى "الزراعة" عبر  لجنة حليب البودرة التي تضم الجهات ذات العلاقة، ومن ضمنها "الصناعة والتجارة".
"الزراعة" ترد
"الزراعة" ردت بكتاب رسمي حصلت " الغد" على نسخة منه، موجه من وزيرها إلى وزير الصناعة والتجارة بشأن نقل ملف حليب البودرة، وقالت فيه "إن التشديد على حصص الحليب المجفف من الجهات الرقابية، يأتي لحماية مربي الأبقار من المنافسة غير العادلة من الاستخدام غير المشروع للحليب المجفف والزيوت المهدرجة بصناعة الألبان والأجبان البيضاء".
وأضافت أن "هناك أسبابا أخرى، وهي: منع تضليل المستهلك ومخالفة استخدام مدخلات إنتاج لتعرفة جمركية منخفضة في عمليات تصنيع غير مشروعة وغير حقيقية".
وبشأن المفاضلة بين قطاعي مربي الأبقار والصناعات الغذائية، فإن المفاضلة حسب "الزراعة" غير عادلة، فقطاع مربي الأبقار يسهم بتوفير الاكتفاء الذاتي من الحليب الطازج، وجزء من اللحوم الحمراء، ويشغل آلاف الأسر، بخاصة في المناطق الريفية، كما يوفر مدخل الإنتاج الأساس لمصانع الألبان الذي تقوم عليه صناعة الألبان والأجبان البيضاء".
وبينت الوزارة، بأن ربط معاناة مصانع الألبان بالقيود الرقابية على الاستخدام غير المشروع للحليب المجفف، مجاف للحقيقة، لأسباب منها أن معاناة مصانع الألبان وإعسارها المالي، يعود أولا للمنافسة غير العادلة التي تتعرض لها في مواجهة منتجات ذات جودة متدنية، تصنع على نحو غير مشروع من الحليب المجفف والزيوت المهدرجة.
وأكدت، أن إعسار مصانع ألبان، كان له أثر كبير على تسويق منتجات مربي الأبقار من الحليب الطازج، من حيث انخفاض الأسعار وتأخير الدفع لمشتريات الحليب الطازج. مشيرة إلى أنها تدرك أهمية هذه المصانع في دورة الإنتاج، واستدامة قطاع تربية الأبقار. مبدية استغرابها من حديث وزير الصناعة، وربطة حالة الإعسار بتشديد الرقابة على الاستخدام غير المشروع للحليب المجفف، إذ أن مصانع الألبان المحلية لا تستخدم الحليب المجفف، لاعتمادها على الطازج في إنتاجها.
وأوضحت، رداً على ما يتعلق بتأثر أعمال مصانع الصناعات الغذائيّة، وتعقيد إجراءات لجنة الحليب الفنية الدائمة باعتماد معادلات التصنيع وتنوعها الكبير، وتعطل أعمال بعض المصانع، أنه لا صحة للشكوى المقدمة، والدليل أن لجنة الحليب تحرص على وجود مخزون تحت الطلب لدى أي شركة، متفق عليه، ليغطي احتياجات الشركة لفترة 3 أشهر، أي بما يعادل 450 طنا.
كما بينت "الزراعة" في كتابها، أن لجنة الحليب الفنية الدائمة فيها، وبمشاركة الجهات الرقابية كافة، اتفقت على وضع سقوف لاستخدام الحليب المجفف بتحديد حصص المصانع، استرشاداً بالمعادلات التصنيعية، وذلك للتنوع الكبير للمنتجات ووصفات المواد الداخلة فيها، كما أنها تسترشد بوضع السقوف الممنوحة للمصانع من الحليب المجفف بالقواعد الفنية والمواصفات والمنشورات العلمية في مجلات محكمة، وبالمنتجات الشبيهة.
وقالت، إن منح الرخص واعتماد السقوف للحصص غير معقدة، وتقوم بها الوزارة منذ 15 عاماً وفق سياسة واضحة، وأن متطلبات المتابعة لهذه الحصص غير معقدة، ويلتزم بها عدد كبير من المصانع الكبيرة، فأغلب الشكاوى تأتي من أنشطة صناعية محدودة (مشاغل ومصانع صغيرة) تطلب حصصاً كبيرة من الحليب المجفف، ولا تقدم ما يثبت استخدامها بتصنيع حقيقية.
وقالت إنه وبعد التدقيق، أوقفت الحصص الممنوحة لبعض الشركات، نظرا لعدم التزامها بتقديم ما يثبت استخدامها، فبعض هذه الحصص على سبيل المثال لا يتناسب مع نشاط الشركة الاقتصادي، كما أن مصانع تبالغ كثيراً بمساهمة الحليب المجفف في منتجاتها، وقد تسلم وزير الصناعة قائمة بأسماء شركات، أوقفت حصص الحليب المخصص لها، وذلك للتحري عن أنشطتها.
وبشأن خطة توطين صناعة الحليب طويل الأمد، أشارت "الزراعة" إلى أن هذه الخطة تساعد بالتعامل مع ذروة الإنتاج بين آذار (مارس) وحزيران (يونيو)، بحيث تمتص فائض الحليب الطازج، وجرى التنسيق بخصوصها مع غرفة صناعة الأردن، وإعلام المستوردين كافة في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، وتطبيق الخصم على الشركات المستوردة وبالنسبة نفسها، كما سيجري تقييم مخرجات الخطة بداية العام المقبل.
تحفظات "المهندسين الزراعيين"
من جهته، وجّه نقيب المهندسين الزراعيين علي أبو نقطة، رسائل فنية وتحفظات واضحة لوزيري الزراعة والصناعة، حول ما يُتداول بشأن نية نقل ملف حليب البودرة من "الزراعة" إلى "الصناعة"، معتبرًا بأن هذا التوجّه يمثل خطوة تمهيدية لشرعنة استخدام حليب البودرة بصناعة الألبان والأجبان الطازجة بدلًا من الحليب المحلي الطازج.
وجاءت تصريحات أبو نقطة في لقاءٍ عقده مع ممثلي قطاع تربية الأبقار ومصانع الألبان والأجبان، بحضور أمين سر مجلس النقابة د. إبراهيم الهبارنة، وأعضاء مجلس النقابة، أول من أمس، إذ أكد أن المبررات المتداولة لنقل الملف "غير صحيحة وغير دقيقة" فنيا واقتصاديا.
وأوضح أن "الزراعة" تدير ملف حليب البودرة منذ عام 2010، بعد تجاوزات كبيرة، حدثت عندما كان الملف بإشراف "الصناعة". مشيرا إلى أن الملف تدريه لجنة فنية متخصصة حاليا، تضم الجهات ذات العلاقة، وحققت إنجازات ملموسة بالحد من الغش التجاري وضمان الشفافية بنسب الخلط بين الحليب الطازج و"البودرة"، بما يحفظ حقوق المزارعين والمستهلكين والمصنّعين معا.
وشدد على أن نقل الملف سيؤدي إلى آثار سلبية وخطرة، أبرزها الإضرار المباشر بمربي الأبقار المحليين لانخفاض الطلب على الحليب الطازج، وفقدان آلاف فرص العمل في قطاع الثروة الحيوانية والصناعات المرتبطة به، بالإضافة لزيادة احتمالات الغش التجاري وصعوبة الرقابة على نسب الخلط في المصانع، فضلا عن تراجع جودة المنتج الوطني، وفقدان ثقة المستهلك المحلي والأسواق الخارجية، وإضعاف منظومة الأمن الغذائي الوطني، عبر زيادة الاعتماد على الاستيراد بدل الإنتاج المحلي.
وشدد أبو نقطة، على أنه "وانطلاقًا من مسؤوليتنا المهنية والوطنية، نؤكد ضرورة إبقاء صلاحية إدارة ملف حليب البودرة بيد "الزراعة"، حفاظًا على تطبيق المعايير الفنية الصارمة، وحماية المنتج المحلي من التدهور، وتعزيز تنافسية الصناعة الوطنية في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة".