الغد
مع بداية العام الحالي، دخلت المرحلة الثالثة من هيكلة تعرفة المياه والصرف الصحي حيز التنفيذ. وتمثلت هذه المرحلة برفع أسعار المياه ضمن مقادير يفترض أنه تم تحديدها ضمن اللائحة التي شكلت الركن الأساسي من ذلك المشروع الذي بدأ في العام 2023، ويفترض أن يمتد حتى العام 2029.
اللافت هنا أن اللائحة تتحدث عن رفع بسيط لأسعار المياه، وصفته الوزارة أثناء الترويج لتلك الخطوة بأنه لا يتعدى بضعة قروش كمبلغ محدد للمقطوعيات الصغيرة والمتوسطة، وبشكل تدريجي على مدى سنوات الخطة، وأنه لا يشكل عبئا على المستهلكين. بينما ترتفع الأسعار على المتر المكعب للاستهلاكات الكبيرة.
وتم تبرير الخطوة بأنها استجابة لواقع قطاع المياه الذي يعاني من ارتفاع في المديونية، وزيادة في الكلفة. ووصفت بأنها جزء من الاستراتيجية الوطنية للمياه التي تمتد حتى العام 2040، وتهدف إلى تحقيق الأمن المائي وتحسين التزويد وتطوير الخدمة، إضافة إلى الاستدامة المالية للقطاع بمديونيته التي تبلغ -في ذلك الوقت- حوالي 2.3 مليار دينار، مرشحة للارتفاع إلى 4 مليارات دينار بحلول العام 2030 ما لم تتخذ إجراءات كافية لمعالجة الخلل المتمثل بارتفاع الكلفة الاجمالية للمتر المكعب من المياه إلى 220 قرشا، وقيام الحكومة بدعم شرائح الاستهلاك بما نسبته 64 بالمائة من تلك الكلفة.
الخطوة التي اتخذتها الحكومة برفع الأسعار للمياه والصرف الصحي، تزامنت مع إجراء آخر تمثل بتحويل فواتير المياه من ربع سنوية إلى شهرية، وسط تفسيرات وقراءات بأن الفاتورة ستنخفض قيمتها إلى ما يزيد على حدود الثلث قليلا.
مبررات تلك القراءات إضافة إلى شهرية الفاتورة وكافة ملحقاتها، تدني مقدار الزيادة المعلنة التي تم فرضها على التعرفة. وتركيب عدادات جديدة وصفت بأنها أكثر دقة من العدادات القديمة التي مضى على تركيبها عقود طويلة، والتي كانت محل شكوى من قبل قطاعات واسعة من المشتركين.
غير أن المفاجأة الكبرى تمثلت بارتفاع كبير في قيم الفواتير. فعلى الرغم من أن الفاتورة تغطي فترة استهلاك لشهر واحد بدلا من ثلاثة أشهر، إلا أن «الشهرية» تزيد في قيمتها في الكثير من الحالات على «ربع السنوية». وسط معلومات بأن العدادات الجديدة تسجل كميات الهواء التي تمر عبرها، بخلاف ما كان يقال من أنها عدادات ذكية لا تمرر سوى المياه.
يزيد من حدة المشكلة ما صرح به وزير المياه في حوارات متلفزة من تأكيد بأن العدادات تسجل الهواء المار عبر الأنابيب، وبخاصة عندما تنتهي عملية الضخ المحددة في البرنامج، والتي لا تتعدى 24 ساعة أسبوعيا في بعض المناطق ومثلها شهريا في مناطق أخرى. في حين يتواصل «ضخ الهواء» على مدار الساعة.
اللافت هنا أن الوزارة -وعلى لسان وزيرها- أشارت إلى أن الحل يتمثل بوضع «هواية» قبيل العداد، من أجل منع الهواء من المرور عبره، ومن الدخول ضمن القراءة الشهرية. مع أن الأصل في ذلك أن تتولى الجهة التي قامت بتركيب العداد بوضع تلك «الهواية». بحكم أنها هي صاحبة العداد، وهي المعنية بتحصيل قيمة الكميات المستهلكة من المياه فقط.
أما البعد الآخر، الذي يبدو أن الوزارة لم تتنبه له، فيتمثل بأن القانون الأردني يجرم أي عبث بخط المياه «ما قبل العداد»، ويعتبره اعتداء على المال العام ويعاقب عليه بالحبس والغرامة. وبالتالي فلا يستطيع أي مشترك أن يبادر إلى تركيب «هواية» قبل عداد المياه، خشية اتهامه بالسرقة والعبث بالمال العام.
ويبقى الحل -قانونيا ومنطقيا- أن تبادر وزارة المياه، ومن خلال شركاتها المشرفة على شبكات المياه ضمن قطاعات الاختصاص، إلى تركيب «الهوايات» لمنع تدفق الهواء عبر عداداتها.
كل ذلك لا يلغي القضايا الكبيرة المتمثلة بالفاقد المائي الذي يشكل كميات كبيرة، يضاف لها الكميات المسروقة التي يتم الكشف عنها وتجري تسوية الكثير منها مع من ارتكبها من المتنفذين، بعيدا عن أعين الإعلام، والتي تشكل بمجملها عبئا على موازنة القطاع المائي، وعلى المصادر المائية التي تجمع التقارير الرسمية على وصفها بـ»الشحيحة»، والتي لو تم التعامل معها بحرص أكبر لاختلفت الصورة ولو بشكل نسبي.