رحلات في الظل.. تطبيقات نقل ذكية تعمل بشكل غير قانوني بالمملكة
الغد-سارة بواعنة
نكشف في هذا التحقيق عن واقع موازٍ ينمو في شوارع الأردن؛ أسطول من تطبيقات النقل الذكية التي تعمل علانية بشكل غير قانوني، رغم ما أعلنته وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة في آذار/مارس 2024، من حجب 24 تطبيقاً ذكياً غير مرخص لنقل الركاب في الأردن. في المقابل، تؤكد بعض الشركات، المالكة لتطبيقات نقل ذكية "غير مرخصة"، تقدمها عدة مرات للحصول على "التصاريح" اللازمة؛ لكنها لم تُمنح التراخيص حتى اليوم.
نستند في هذا التحقيق إلى شهادات سائقين يعملون بصورة غير قانونية، ورصد ميداني شمل 210 جولات على مدار ستة أشهر (108 منها عبر تطبيقات مرخصة، بنسبة تُقدر بـ51 في المائة)، بالإضافة إلى آراء خبراء وشهادات مسؤولين.
كانت الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحاً، قبلها بقليل قررتُ استخدام أحد التطبيقات الذكية لنقل الركاب، العاملة بالأردن. بضع دقائق ثم التقيت "الكابتن" أو "السائق"، وانطلقت السيارة على عجل قاصدة طرقاً شبه خالية بين قرى إربد الشمالية. كانت رحلتنا أشبه بمطاردة. يأخذ محمد* "مسرباً ممنوعاً" تارة، ويتجنب الطرق العامة تارة أخرى. وقبل أمتار قليلة من الموقع المحدد، وانتهاء الرحلة، رأينا "رقيب السير". حذرني السائق قبل الوصول إليه بالقول: "إذا سألكِ الشرطي قولي إنك أختي"، وظل يؤكد عدة مرات أن اسمه "محمد"، حتى لا أرتبك أو أنسى.
سيل من "التعليمات والتدابير" يلقيها سائقو التطبيقات الذكية غير المرخصة، وكأن الراكب شريك في مخالفة لم يرتكبها. تبدأ التعليمات بـ "اجلسي في المقعد الأمامي"، وتنتهي بادعاء "إخوة أو بُنوّة أو قرابة ما"، بحسب العمر أو المظهر. بالإضافة إلى الإزعاج المتكرر أثناء الرحلة، بسبب الرسائل الصوتية على "المجموعات المغلقة" الخاصة بالسائقين، للتحذير من "شرطة السير" أو أي جهة رسمية يمكنها تحرير مخالفة: "دورية عند إشارة المجمع.. المباحث عند الدوار غيّر الاتجاه، انتبه للشرطة السرية".
تحدثتُ خلال عملي على التحقيق إلى العديد من السائقين العاملين بشكل غير قانوني، إما على تطبيق نقل غير مرخص، وإما من دون تصريح.
صالح (24 عاماً)، كان يعمل في بيع الألبسة، قبل أن ينتقل إلى العمل على التطبيقات الذكية بسبب قلة "عائده المادي". يقول صالح: "ما بيجيب همه". جاءت فكرة "العمل على التطبيقات الذكية" من أخيه، الذي كان يعيره سيارته ليتمكن من جني "مبلغ زهيد"، يسد به حاجات أسرته، وجزءاً من قرض السيارة التي اشتراها.
ظن صالح أن العمل على التطبيقات الذكية سيكون ملاذاً آمناً يحميه من الفقر والبطالة، في بلد تتخطى فيه نسبة البطالة حاجز العشرين في المائة. لكنّ الملاذ الآمن تحول إلى "فخّ"، كاد ينهي حياته. مر الشاب العشريني بتجارب صعبة أثناء عمله، يقول عن ذلك: " في إحدى الليالي جاءني طلب إلى منطقة مقطوعة، انتابني شعور بالقلق خلال الرحلة، وحين أنزلت الراكب وتحركت، هاجمني مجموعة من الأشخاص وكأنهم عصابة". استطاع صالح الهرب منهم، بعد أن قاد سيارته مسرعاً. يتساءل صالح: "لمين أشكي (أشكو)؟".
اقتصاد الظل
يعمل صالح (اسم مستعار) على تطبيق غير مرخص، وهو واحد من تطبيقات عديدة غير مرخصة، تعمل بشكل علني، وتُشغّل "أساطيل" من السيارات. لكنّ هيئة تنظيم النقل البري قد أعلنت فتح باب الترخيص عام 2018، ومنحت "التراخيص" اللازمة لسبع شركات.
تقول عبلة الوشاح، الناطقة الإعلامية لهيئة تنظيم النقل البري في مقابلة سابقة لأريج، "إن نمط التطبيقات أو نقل الركاب بواسطة التطبيقات الذكية، هو نمط جديد في المجتمع الأردني، وهذا النمط مارس نشاطه بطريقة غير مشروعة في البداية". وأشارت إلى أن الطلب المتزايد على هذا النمط من التوصيل، دفع السلطات الأردنية إلى الاستجابة لترخيص تلك التطبيقات؛ فوضع المُشرّع الأردني أسس "تنظيم نقل الركاب" من خلال استخدام التطبيقات الذكية.
يوجد بالأردن (بشكل رسمي) 11 ألفاً وستمائة مركبة تعمل عبر التطبيقات الذكية، ضمن سقوف مدروسة لتلبية احتياجات السوق، من دون الإضرار بدخل السائقين التقليديين (سائقي التكسي الأصفر)، وفق عبلة الوشاح.
يقول النائب وليد المصري، عضو اللجنة النيابية للخدمات العامة والنقل، إن عدد السائقين غير المرخصين العاملين على تطبيقات النقل الذكي يفوق 50 ألفاً. وهو الرقم ذاته الذي ذكره يوسف أبو عودة، عضو "لجنة كباتن التطبيقات الذكية". يؤكد يوسف أن هناك عشرات التطبيقات التي تعمل بشكل غير مرخص، ويرجع ذلك إلى إغلاق باب الترخيص أمام تطبيقات جديدة من جهة، وغياب التوازن في عدد "التصاريح" المعطاة لكل تطبيق من جهة أخرى، موضحاً أن "أوبر وكريم" تحصلان على حصة الأسد.
من أصل سبع شركات حصلت على الترخيص، هناك أربعة تطبيقات مُرخّصة لنقل الركاب تعمل حالياً: أوبر، وكريم وبترا رايد وجيني. وعن تراجع أعداد الشركات الحاصلة على ترخيص لنقل الركاب، يقول يوسف: "فيه ثلاث شركات انسحبت من السوق بسبب قسمة التصاريح غير العادلة، وبقيت السوق على أربع شركات، وهي محتكرة السوق حالياً، ما فيه منافس غيرها".
تجاوز شروط الترخيص
بدأ سيف (22 عاماً) العمل على تطبيقات النقل الذكية منذ ثلاث سنوات، بعد إخفاقه في الحصول على أي وظيفة، بسبب عدم امتلاكه رقماً وطنياً؛ وهو ما دفعه تحديداً للعمل على أحد التطبيقات غير المرخصة، إذ يشترط في مقدم الخدمة (السائق) أن يكون أردني الجنسية.
فبعض التطبيقات غير المرخصة، والمرخصة أحياناً، قد تتهاون في متطلبات أساسية؛ مثل شهادة عدم المحكومية، أو الخلو من الأمراض، أو حتى عمر السائق، كما أن عملية التسجيل غالباً ما تكون سهلة. بمكالمة هاتفية مع مندوب محلي، ودفع مبلغ رمزي يتراوح بين 20 إلى 50 ديناراً، يتم تفعيل الحساب وبدء العمل فوراً ببعض التطبيقات، الأمر الذي يؤكده يوسف أبو عودة، عضو "لجنة كباتن التطبيقات الذكية"، وهو ذاته ما رصدناه خلال عملنا على التحقيق.
يقول يوسف، متحدثاً عن أحد التطبيقات واسعة الانتشار غير المرخصة: "اشتغل على شغلة ما اشتغلت عليها الشركات الثانية، الشركات الثانية ركزت على عمان وضواحيها". لكنّ التطبيق المقصود يغطي جميع محافظات المملكة؛ وهو ما يظهر جلياً في إعلانات عدد من التطبيقات غير المرخصة أيضاً.
تكلفة باهظة
تقتطع التطبيقات المرخصة نسبة تصل إلى 29 في المائة، من قيمة كل رحلة يقوم بها السائق، وفق شهادات سائقين يعملون على هذه التطبيقات؛ أي أن الرحلة التي يدفع الراكب فيها دينارين، تأخذ الشركة المرخصة نحو 60 قرشاً من السائق.
يقول علاء ذيبان، مدير العمليات في شركة بترا رايد، إن نسبة الاقتطاع من قيمة الرحلة في التطبيقات غير المرخصة أقل من ذلك؛ لأن تلك التطبيقات لا تدفع رسوم ترخيص ولا تكلفة تشغيل، وبالتالي من الطبيعي ألا تفرض نسبة اقتطاع مرتفعة على السائقين. علاوة على ذلك، يدفع السائق لهيئة النقل البري نحو 400 دينار سنوياً للحصول على ترخيص.
على عينك يا تاجر
يعتمد عشرات الآلاف من السائقين على أدوات مثل: صفحات التواصل الاجتماعي، والإعلانات، والمجموعات الرقمية والمقرات، حتى يتمكنوا من ممارسة عملهم بشكل غير قانوني.
"لا تهكل هم الشوب/ تكرم رايد ببرد عليك"، "أهلنا وعزوتنا في محافظة عجلون الحبيبة وقراها، الآن خدمة نقل الركاب الأسرع والأوفر من تطبيق تكرم رايد بين أيديكم". هذه الكلمات تظهر في منشورات على صفحة فيسبوك باسم "تكرم"، واحد من عدة تطبيقات غير مرخصة، تنتشر إعلاناتها على مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن.
لا يقتصر الأمر على ذلك، فبعض الشركات أو التطبيقات بالأردن، مثل "زين كار" التي لديها صفحة على "فيسبوك"، تعتمد في ترويجها على وجوه شابة معروفة.
أما تطبيق "تكسي إف" فيستخدم "يوتيوب YouTube" للترويج لنشاطاته.
مقرات ونقاط شحن واضحة
هذه التطبيقات لا تعمل في الفضاء الرقمي فقط، بل لديها نقاط شحن (نقاط لشحن بطاقات السائقين للعمل على التطبيق) معروفة لا تخفى على السائقين.
للمفارقة، في الوقت الذي يحاول السائقون فيه تجنب النقاط الأمنية، وعلى بعد أمتار قليلة من شرطة السير، رصدنا مكاتب ونقاط شحن لتطبيقات مخالفة، يظهر فيها اسم التطبيق (أو اللوغو) بوضوح.
تقول عبلة الوشاح، الناطقة الإعلامية لهيئة تنظيم النقل البري، إن المقرات يفترض أن تكون للشركات المرخصة فقط، غير أن التتبع الميداني في التحقيق أثبت وجود مقر فعلي لتطبيق غير مرخص.
أثناء إحدى الرحلات الميدانية لمعدة التحقيق، كانت صورة السائق تظهر على التطبيق، وخلفه لافتة كبيرة تحمل شعار "خدمات زين كار". ويسهل الوصول إلى نقاط شحن "تكسي إف" أيضاً، من خلال البحث في محرك خرائط جوجل.
يقول أبو سند، الذي يُقدم نفسه مندوباً لشركة تكسي إف في عمّان ومادبا والزرقاء، وبعض المناطق القريبة، إنهم حاولوا الحصول على ترخيص لشركة "تكسي إف" -وهي شركة أوروبية- منذ عام 2019، لكن بحسب "أبو سند" كان باب الترخيص مغلقاً. حاولت الشركة أن تستحوذ على شركات متعثرة حاصلة على ترخيص سارٍ، لكن قوبلت محاولاتها بالرفض، وفق "أبو سند".
عام 2024، تقدمت "شركة المستقبل لخدمات النقل"؛ وهي شركة أردنية مُرخصة، للحصول على ترخيص لتكسي إف، لكنّها لم تحصل على الترخيص.
في السياق ذاته، يقول يوسف أبو عودة، عضو "لجنة كباتن التطبيقات الذكية"، إن "تكسي إف" ينتشر في مختلف مناطق المملكة، ولا يقتصر عمل السائقين على التطبيق الموجود بالهاتف فقط، بل إن مندوبي التطبيق ينظمون العمل من خلال نقاط شحن معروفة يقصدها السائقون.
منطقة رمادية
لا تقتصر المخالفات القانونية على التطبيقات غير المرخصة فقط؛ فبعض التطبيقات المرخصة تسمح للسائقين بالعمل من دون الحاجة إلى تصريح. في عدد من الرحلات الميدانية لمعدة التحقيق، كان السائقون يقرون بعدم امتلاكهم تصريحاً لنقل الركاب، أو لا يظهر ملصق الترخيص على مركباتهم.
تواصلنا مع أحد مسؤولي تطبيق "بترا رايد"، وهي إحدى الشركات المرخصة بالأردن، لسؤالهم عن السائقين لديها غير الحاصلين على تصريح، فأجاب بالقول: "هذا الأمر كان موجوداً في البداية، لكن حالياً نلتزم بشكل كامل بتعليمات هيئة تنظيم القطاع".
ويضيف: "على سبيل المثال، قد يحصل الكابتن على تصريح سارٍ في كانون الثاني/يناير 2025، حتى كانون الأول/ديسمبر 2025، لكن خلال هذه الفترة قد تنتهي رخصة قيادته أو رخصة المركبة نفسها، أو تكون السيارة غير مرخصة، أو عليها تعاميم. في هذه الحالات، ومن أجل ضمان السلامة العامة لمستخدمي التطبيق، يتم إيقاف حساب أي كابتن تنتهي رخصة قيادته أو مركبته بشكل تلقائي، وذلك لحين مراجعة المكتب وتحديث البيانات المطلوبة".
رغم ذلك، التقينا سائقاً يعمل لصالح شركة مرخصة، من دون أن يكون حاصلاً على الترخيص.
وبحسب أحد ممثلي التطبيقات غير المرخصة، فإن الأمر سيان؛ فالمُرخص أيضاً يعمل بصورة غير قانونية: "خذي سيارتك وروحي على (يذكر أحد التطبيقات المرخصة)… 50 ديناراً يسجلك إياها وتطلعي من عندهم، ما بيشوف السيارة أصلا".
حجب التطبيقات غير المرخصة
عام 2024، أعلنت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة حجب 24 تطبيقاً غير مرخص لنقل الركاب. أما اليوم، فوفقاً لتصريحات شروق هلال، الناطقة الإعلامية لوزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، فقد حُجب 42 تطبيقاً غير مرخص منتصف أيلول/سبتمبر 2025.
لم يشمل الحجب التطبيقات جميعها، لكن تطبيق "تكسي إف" طاله الحجب، وفق شهادات سائقين التقيناهم.
يوسف أبو عودة، عضو "لجنة كباتن التطبيقات الذكية"، يقول إن حجب التطبيق، الذي سعى للترخيص مراراً، يوصل رسالة "سيئة" على حد تعبيره. ويضيف: "تكسي إف من بعد تقدمه للحصول على ترخيص تم حجبه، بالمقابل شركات الاتصالات وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات تركوا الشركات الثانية اللي ما قدمت للترخيص بعدها شغالة".
بينما تقول شروق هلال، الناطقة الإعلامية لوزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، إن آلية الحجب ليست مباشرة؛ إذ تعتمد الوزارة على مُراسلة متاجر التطبيقات الدولية مثل App Store وGoogle Play، لحذف أو حجب التطبيقات عند وصول إشعار رسمي من هيئة تنظيم النقل البري يفيد بأنها مُخالِفة.
من جهة أخرى، أوضحت عبلة الوشاح، الناطقة الإعلامية لهيئة تنظيم النقل البري، أنها لا تعترف بهذه التطبيقات غير المرخصة، ولا تعدّها ضمن اختصاصها أو مسؤوليتها، مشيرة إلى أن تنظيمها يقع تحت مسؤولية وزارة الاقتصاد الرقمي وإدارة السير.
وعن فعالية إجراءات حجب التطبيقات، يقول الخبير التقني عمران السالم، إنها تجعل الوصول إلى التطبيق أكثر صعوبة، لكنها نادراً ما تمنعه بنسبة 100 في المائة؛ خاصة إذا كان التطبيق مُثبتاً بالفعل على الجهاز، أو في حال كان المستخدمون لديهم المعرفة التقنية الكافية للتحايل على الحجب.
ويضيف عمران: "بإمكان الشركات توفير ملفات التطبيق (APK) مباشرة على مواقعها الإلكترونية، أو عبر قنوات تليغرام أو واتساب. يمكن لمستخدمي أجهزة الأندرويد تنزيل هذه الملفات وتثبيتها يدوياً، متجاوزين بذلك متاجر التطبيقات الرسمية، إضافة إلى استخدام تطبيقات VPN لإخفاء عنوان IP الخاص بهم، وتوجيه حركة مرور الإنترنت الخاصة بهم عبر خوادم في دول أخرى. هذا يجعل مزود الخدمة المحلي غير قادر على معرفة وجهة الاتصال الحقيقية، وبالتالي يتجاوز حجب IP وDNS".
وفيما يخص حجب الإعلانات عبر فيسبوك وغيرها من المنصات، يؤكد الخبير التقني أن الحكومة الأردنية لا تملك السلطة الكاملة لحجب الإعلانات، لأنها تقع خارج حدودها الجغرافية، كما أنه "لا يمكن للحكومة الأردنية إصدار أوامر مباشرة لفيسبوك أو جوجل بالمنع أو الحجب".
يقول أبو سند، الذي يُقدم نفسه مندوباً لشركة تكسي إف بعدد من المناطق بالأردن، إن إعلانات تكسي، على سبيل المثال، تأتي من (سيرفرات) خارج الأردن؛ ما يجعل إيقافها أمراً صعباً. وأضاف أن هذه الإعلانات لا تذكر "الدينار الأردني"، وتضع "سيارة تكسي إف لعُمان"؛ وكأنها تعمل خارج الأردن.
على الرغم من الحظر الرسمي المفروض على تطبيق "تكسي إف" من المتاجر الإلكترونية، أكد أبو سند أن العمل لم يتوقف، وأن الشركة مستمرة في تحقيق الأرباح. الأمر ذاته أكده سائقون التقيناهم.
وأوضح أنهم تجاوزوا حظر التحميل من المتاجر، من خلال تزويد السائقين والعملاء بروابط مباشرة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث: "العميل لما بده يطوله ممكن يطوله من جوجل بشكل عام، ممكن من روابط بنرسلها له على وسائل التواصل الاجتماعي".
التطبيقات الذكية: توزيع غير متكافئ واحتكار غير معلن
وضعت هيئة تنظيم النقل البري سقفاً محدداً للتصاريح بلغ نحو 13 ألف تصريح في بداية عمل القطاع. لكنّ توزيع هذه التصاريح "لم يكن متكافئاً على الإطلاق"، بشهادات من التقيناهم من مسؤولي التطبيقات.
فقد استحوذت شركتان فقط، هي أوبر وكريم، على "حصص الأسد" من تلك التصاريح بعدد ستة آلاف ترخيص لكل منهما، مقابل ألف ترخيص بالمناصفة بين "بترا رايد" و"جني". هذا التوزيع -الذي يعطي الأفضلية لشركتين تستحوذان الآن على الحصة الأكبر من السوق (علماً بأن شركة أوبر استحوذت على كريم نتوركس "منطقة حرة ش. ذ. م. م")- خلق واقعاً من المعاناة للمنافسين الأصغر
حجماً.
هذه الآلية تخدم مصالح الشركات الكبرى التي أصبحت تحتكر سوق تطبيقات النقل الذكية بالأردن.
وعندما سُئلت هيئة تنظيم النقل البري عن سبب هذا التوزيع غير المتكافئ، جاء الرد بأن "أوبر" و"كريم" شركتان دوليتان تمتلكان خبرة وتجربة أوسع، ولهذا قررت الهيئة في البداية منحهما العدد الأكبر من التراخيص. أما "بترا رايد"، التي تعود ملكيتها لمجموعة "البستنجي" للاستثمار الأردنية، فقد قيل إنها شركة حديثة التجربة، وستتم لاحقاً زيادة عدد التراخيص الممنوحة لها. لكن هذا لم يتحقق حتى اليوم.
في المقابل، يقول علاء ذيبان، مدير عمليات "بترا رايد"، إنه يواصل تقديم الطلبات بهدف زيادة عدد التراخيص، لكنه في كل مرة يتلقى وعوداً فقط، دون أي تنفيذ فعلي: "نحن حالياً نضغط بهذا الاتجاه من أجل اعتماد مبدأ تعويم التصاريح، فلا تُمنح شركة معينة عدداً محدداً من التراخيص، وإنما يتم توزيع 20 ألف تصريح على جميع الشركات الأربع المرخصة، فتحصل كل شركة على العدد الذي يتناسب معها".
التطبيقات لا تحمي السائقين
رغم تعدد الجهات الرقابية التي ترصد المخالفات في هذا القطاع، من أفراد الأمن العام إلى أي جهة تحمل صفة الضابطة العدلية، فإن السائق هو من يتحمل تبعاتها وحده؛ سواء عبر غرامات تبدأ من مائة دينار أردني، وتزداد مع تكرار المخالفة خلال السنة، وتصل لحجز المركبة.
في مشهد تملؤه الفوضى، تستمر تطبيقات النقل الذكية غير المرخصة في الترويج لخدماتها "الأسرع، الأوفر، الأكثر أمانا"، وغيرها من الشعارات، غير مبالية بأي عواقب قانونية. في المقابل، انخفض عدد المركبات المرخصة للعمل على تطبيقات نقل الركاب إلى 11 ألفاً و666 مركبة.
اخترتُ رحلتي هذه المرة مستخدمة تطبيقاً مرخصاً. رحلة تستحق النجوم الخمسة. بالنسبة لآلاف السائقين الذين أصبح العمل على التطبيقات مصدر رزقهم الوحيد، فإن مطلبهم الأكثر إلحاحاً أن يُسمح للتطبيقات التي يعملون عليها بالترخيص؛ لأن قسط السيارة وإيجار المنزل ولقمة العيش لن ينتظروا قراراً تنظيمياً.
*أنجز هذا التحقيق بدعم من أريج