الغد
وقفة تأمل وتفاؤل مع إطلالة العام الجديد على فرص الاستثمار المتاحة أمام الصناعة المصرفية الإسلامية، خاصة في البلدان العربية، فهي مقبلة على فرص هائلة للاستثمار في مجمل القطاعات الاقتصادية وفي إطار التنمية المستدامة، أو فيما يتعلق في إعمار ما دمرته النكبات التي حلت في بعض من هذه الأقطار، أضف إلى ذلك الخسائر الهائلة التي تسببت فيها الأزمات الاقتصادية، سواء على مستوى تراجع الإنتاج أو تزايد أعداد العاطلين عن العمل والذين يقدر عددهم بحوالي الـ10 ملايين مواطن، فقدوا عملهم أو وظائفهم بسبب هذه الأزمات، ثم زيادة أعداد الفقراء في مجتمعاتنا العربية، وتشير بعض التقديرات إلى حاجة الوطن العربي ما قبل أزمة "كورونا" والحرب الروسية الأوكرانية، إلى ما يقارب الـ100 مليون فرصة عمل، إذاً سنكون بحاجة إلى حجم هائل من التمويل لتغطية حاجاتنا لهذه المتطلبات التنموية، اذا علينا الاستعداد كمؤسسات مالية ومصرفية إسلامية للمساهمة الفاعلة في هذه المرحلة، والاستعداد لتغطية الساحات التي غُيبت عنها فرص التمويل، لكون البيئة الاقتصادية والشرعية مهيئة بانتظار أن تنضج البيئة القانونية والتشريعية لهذا القطاع، في البلدان التي ما تزال مترددة أو ظروفها السياسية غير جاهزة.
ما أردنا قوله إن الدول العربية التي تشهد غيابا واضحا للصناعة المصرفية الإسلامية، تمثل في مجموع سكانها ما يزيد على ثلثي سكان الوطن العربي وما تعانيه اقتصادياتها من ضعف في البنية التحتية انعكس على اقتصاديات بقية الدول، وتراجع أدائها، حيث يقدر معدل البطالة بحوالي 17 %، وتراجع النشاطات الاستثمارية في كلا القطاعين العام والخاص، إضافة إلى عدم قدرتها على جذب أو الاحتفاظ بالاستثمارات الأجنبية لديها، وما رافق ذلك من تراجع للاستثمارات العربية البينية في القطاعات كافة، مع ذلك ما نزال نتطلع إلى انطلاقة اقوى للصناعة المصرفية الإسلامية، خاصة في بعض الدول العربية مثل مصر ودول المغرب العربي، التي لم تسجل فيها مصارفنا الإسلامية حضورا ينسجم مع الهوية الإسلامية وعدد السكان، إضافة إلى حجم الحاجة للتمويل كما هو حضورها في العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى، ولا حتى على مستوى حضورها في بعض الدول الغربية. كما رأينا في حالة التنافس الشديد بين بعض عواصم هذه الدول لتكون مركزا عالميا للتمويل الإسلامي ومؤسساته والسماح لها بأن تنشط على أراضيها. أضف إلى ذلك، النشاط الإعلامي على أراضي هذه الدول مثل عقد المؤتمرات والملتقيات الدولية المخصصة لقطاع التمويل الإسلامي، وبعد أن ترسخت القناعة لديهم بحقيقة الصناعة المصرفية الإسلامية وفاعلية أدواتها التمويلية في المساهمة في الاستقرار الاقتصادي، خاصة بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة، وكما كان لغياب دول عربية أخرى عن هذه الصناعة. ولو كان بتواجد خجول مثل سورية والعراق ولبنان وليبيا واليمن، بسبب الظروف السياسة وتداعيات الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تشهدها هذه البلدان مما تسبب بحرمان الصناعة المصرفية الإسلامية لأسواق مهمة، وحرمان مجتمعاتها من الخدمات المالية المقدمة من هذا القطاع الملتزم باحكام الشريعة الاسلامية.
عندما يساهم هذا القطاع في خلق بيئة اقتصادية سليمة من خلال استعداده لتقديم التمويل اللازم للنهوض باقتصاداتنا العربية وتصرفه بمسؤولية أخلاقية لمساعدة مجتمعاتنا وتلبية حاجاتها من الاستثمار، فإنه ومما لا شك فيه سيجد فرص استثمار أفضل يسعى من خلالها إلى زيادة حصته من الأرباح ويحقق أهدافه، التي وجد من أجلها. علما أن الجهاز المصرفي أو قطاع البنوك، -إن جاز التعبير-، هو المسؤول عن التقدم الاقتصادي في اليابان والعديد من الدول الأوروبية والصين، كما حافظ على قطاع إنتاج ينمو بشكل متواصل، وعزز المكانة الاقتصادية لهذه الدول وغيرها من الدول التي حققت تقدما ونموا اقتصاديا، لهذا فإننا ننتظر دورا رياديا ومبادرا لمصارفنا الإسلامية والاستعداد لمستقبل الاستثمار الواعد على امتداد ساحة الوطن العربي.