أخبار سوق عمان المالي / أسهم
 سعر السهم
Sahafi.jo | Rasseen.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
  • آخر تحديث
    12-Oct-2025

الذهب وإعادة هندسة النظام المالي الدولي*أحمد عوض

 الغد

تشهد أسعار الذهب في الآونة الأخيرة طفرة غير مسبوقة، تجاوزت حدود الارتفاعات التقليدية التي ترتبط عادة، بدورات اقتصادية أو مخاوف مالية آنية.
هذه الموجة من الارتفاعات في فترة زمنية قصيرة جديدة تحمل دلالات أعمق. فهي تعكس تحولات كبرى في طبيعة النظام المالي العالمي، وتشير إلى مرحلة جديدة من إعادة توزيع موازين القوة الاقتصادية والجيوسياسية. فليس الأمر مجرد ارتفاع في الطلب على "ملاذ آمن"، بل هو انعكاس لمسار عالمي يسعى إلى إعادة هندسة أدوات الاستقرار المالي العالمي، بعيدا عن الهيمنة الأميركية.
 
 
على المستوى السياسي، يتضح أن هذا الارتفاع يعكس تراجع الثقة في استقرار النظام الدولي القائم، وفي قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على تفوقها المالي والاقتصادي. مع زيادة الأزمات الدولية، من الحرب في أوكرانيا إلى تداعيات حرب الإبادة الجماعية في غزة، وما رافقها من توترات صعبة وعميقة في الشرق الأوسط، وتحدي الولايات المتحدة وبعض حلفائها لقواعد القانون الدولي بشكل سافر، باتت البنوك المركزية، تعزز احتياطاتها من الذهب.
الهدف لم يعد التحوط من تقلبات السوق فحسب، بل أيضاً تعزيز السيادة الاقتصادية وتقليل التعرض للمخاطر الناجمة عن العقوبات أو تقلبات الدولار وسياسات الفيدرالي الأميركي.
أما من الناحية الاقتصادية، فإن الذهب أصبح جزءا أساسيا من الاستراتيجية الدولية لإعادة تشكيل خريطة الاحتياطات. قوى ومراكز اقتصادية كبرى مثل الصين، روسيا والهند تقود هذا الاتجاه، معتبرة أن الاعتماد المفرط على أدوات الاحتياط الأميركية يشكل تهديدا طويل الأمد لاستقرارها الاقتصادي. لذلك، يتجه العالم اليوم نحو بناء معادلة أكثر توازنا في توزيع الاحتياطات، حيث لا يحتكر الدولار المشهد وحده، بل يظهر الذهب كركيزة متجددة في هيكل الأمن المالي العالمي.
هذه التحولات تضع الذهب في موقع مختلف، فهو لم يعد مجرد سلعة تقليدية أو ملاذا آنيا من الأزمات، بل أصبح رمزا لمرحلة انتقالية تعيد رسم ملامح النظام المالي العالمي.
فالارتفاع في الأسعار ليس دليلا على اضطراب الأسواق فقط، بل إشارة على تبلور نظام متعدد الأقطاب، حيث تتقاسم القوى الاقتصادية الصاعدة التأثير مع القوى التقليدية، وتبحث الدول عن بدائل أكثر عدلا واستقرارا، تجنبها الأزمات المفاجئة والضغوط والإجراءات غير المتوقعة للولايات المتحدة.
يمكن القول إن القفزة الكبيرة في أسعار الذهب تحمل دلالات سياسية واقتصادية عميقة. إنها تجسيد لانهيار الثقة بنظام مالي أحادي القطب، يعتمد على الدولار وأدواته المالية المختلفة، مثل سندات وأذونات الخزانة الأميركية والودائع بالدولار في البنوك الأميركية والدولية، واتفاقيات إعادة الشراء بالدولار وغيرها من الأدوات، وبداية لتوجه عالمي نحو إعادة هندسة النظام المالي الدولي على أسس أكثر توازنا.
وإذا ما استمر هذا المسار، فإن الذهب سيظل أداة مركزية ليست فقط في إدارة الاحتياطات، بل أيضا في التعبير عن ملامح النظام العالمي الجديد.